الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وفي (الكتاب): إذا كان لأحدهما خمس من الإبل، وللآخر تسع، فعلى كل واحد منهما شاة، ثم رجع إلى التراجع بالسوية والفرق بين الوقص ها هنا وبين الانفراد على المشهور: أن الخلطة في حكم الشركة حتى لو كان لأحدهما سبع وللآخر ثمان وجبت الزكاة في الزائد، قال سند: لو كان لكل واحد من خمسة بقر خمس من الإبل رجع من أخذت منه بنت المخاض على كل واحد بخمس قيمتها، وكذلك التراجع في البقر، فلو كان لأحدهما أربعون جاموسا، وللآخر ثلاثون بقرة فأخذ مسنة من الجواميس وتبيعا من البقر، فالأظهر: عدم التراجع، ويحتمل التراجع بالقيمة، وكذلك إذا كان لأحدهما مائة، وللآخر أربعون، فأخذ منهما حقتين، وإذا أخذ الساعي الواجب فالمشهور الرجوع بالقيمة، سواء دفع رأسا أو جزأ، وقال أشهب: يرجع بالرأس وخيره في الجزء بين نسبته وبين القيمة، وجه الأول: أنه في معنى الاستحقاق والاستهلاك؛ لأنه أخذ منه بغير رضاه، وجه الثاني: القياس على السلف، وإذا قلنا بالقيمة، فيوم قبض المتصدق، فإن اختلفا فالقول قول المرجوع عليه مع يمينه؛ لأنه الغارم، ولو كان لكل واحد من ثلاثة نفر، أربعون، فأخذ الساعي ثلاث شياه من ملك أحدهم، ففي (الموازية): يرجع على صاحبيه بثلثي شاة، وفيه نظر؛ لأنه قد يرى مذهب الحنفية في عدم اعتبار الخلطة. في (الجواهر): إذا خلط مع أكثر من واحد عم الحكم الجميع، ويتوزع الواجب على نسبة أموالهم، قاله ابن القاسم وأشهب، وقال ابن المواز: هو خليط لكل واحد لجميع ماله، وليسوا خلطاء، فيزكي كل واحد بما يخصه مع جملة ماشية خليطه وقيل: هو خليط لكل واحد بالذي معه دون ما خرج، فيزكي كل واحد بما يخصه مع خلطائه خاصة، واختلف القائلون بذلك في حكمه هو فقيل: يزكي على ضم ماله بعضه إلى بعض، وقيل: يفرد كل مال بالزكاة مع خليطه، وسبب الخلاف: اجتماع أمرين متناقضين: أحدهما، الخليط الأوسط يجب ضم ماله بعضه إلى بعض مع عدم الخلطة، والثاني: الطرفان ليس بينهما خلطة فلا يجب الضم بينهما فمن غلب حكم الوسط ورأى أن كل واحد منهما يجب ضمه إليه وهو يجب ضم ملكه عمم الحكم، ومن غلب حكم الطرفين أفرد حكم الوسط فجعله كمالين لمالكين ولم يضم بعضه إلى بعض، وهذا هو القول الرابع، ومن رأى أن الوسط جعل الطرفين خليطين، والخليط يجب ضم ماله، وهو القول الثاني وبيان ذلك بالمثال: من خلط عشرة من الإبل بعشرة، وعشرة أخرى مع آخر، فعلى القول الأول: تجب بنت مخاض على الوسط نصفها، وعلى كل واحد من الطرفين ربعها، وعلى الثاني يجب أيضا على الوسط، نصفها وعلى كل واحد من الطرفين ثلث بنت مخاض، وعلى الثالث على الوسط ثلث بنت مخاض، وعلى كل واحد من الطرفين شاتان، وعلى الرابع يجب في الجمع ثمان شياه، على الوسط أربع، وعلى كل واحد من الطرفين شاتان. فرع: إذا وجبت حصة من شاة أو غيرها أخذت القيمة ذهبا أو ورقا، وقيل: يأتي بها فيكون شريكا فيها. في (الكتاب): من له أربعون شاة ولخليطه أربعون وله في بلد آخر: أربعون منفردة ضمها إلى الخلطة، وأخذ الساعي من الجميع شاة عليه ثلثاها، ووافقنا (ش) و(ح) في ضم غنم البلدين، وقال ابن حنبل: يعتبر كل مال بنفسه، فإن كان له أربعون ببلدين فلا زكاة؛ لقوله عليه السلام: (لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع) وحمله مالك رحمه الله على ما ينقص الزكاة باعتبار الخلطة فقط جمعا بينه وبين قوله عليه السلام: ( في كل أربعين من الغنم شاة) ولأنه غني بالأموال في البلدان كالبلد الواحد، وقياسا على النقدين، وقد سلمهما، قال سند: إذا أخرج زكاة الجميع في أحد البلدين: يخرج من الخلاف في نقل الزكاة، ووافق (ش) مالكا في ضم المنفرد إلى المختلط، وقال عبد الملك: لا يضم لعدم الارتفاق في المنفرد. والمذهب ينظر إلى الارنفاق في جنس ذلك المال، وعلى القول بالضم: فعلى القول بأن الوقص لا شيء فيه تكون الشاة بينهما نصفين، وعلى المذهب في وقص الخلطة تكون أثلاثا، وإذا قلنا بعدم الضم فإنه يضم المنفرد، إلى ما خالط به، ويكون عليه ثلثا شاة نظرا للخلطة في حصة الملك، وعلى صاحبه نصف شاة، نظرا إلى أنه لم يخلط إلا أربعين، وفي (الجواهر): قال سحنون: على الأربعين نصف شاة، وعلى الثمانين شاة، وسبب الاختلاف: النظر إلى أثر الخلطة، فالأول اعتبرها في جميع المال، والثاني اعتبرها في حق الأربعين فيما خالط به خاصة، وفي الثالث اعتبر القدر الذي وقعت به فيه الخلطة فقط، ولو خلط عشرة من الإبل بعشرة لغيره، وبقيت له عشرة أخرى منفردة فعلى الأول تكون عليهما بنت مخاض أثلاثا، وعلى الثاني يكون على صاحب العشرة شاتان، وعلى صاحب العشرين ثلثا بنت مخاض، وعلى الثالث يزكي الجميع بالغنم. قال سند: فلو خالط بدون النصاب من له نصاب. وله مال منفرد يكمل النصاب، ضم على المشهور، وعلى القول الآخر: لأحدهما عشرون خالط بها عشرين، وله عشرون منفردة فالمأخوذ على صاحب الأكثر؛ لأن الآخر لم يضره. وله ثلاث حالات: أداؤها في وقتها، والتعجيل، والتأخير. الحالة الأولى: الأداء في الوقت، وفي (الجواهر): يجب أداؤها على الفور للإمام العدل الصارف لها في وجوهها، لقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم). (التوبة: 103) وما وجب عليه وجب علينا تمكينه منه، وقيل: لأرباب الناض تفريقه على مستحقيه وإن كان عدلا لأنها قربة، والأصل: مباشرة القرب، وليس في قوله تعالى: (خذ من أموالهم) عموم بل لفظ (صدقة) مطلق يكفي فيه فرد من أفراده. فروع ثلاثة: الأول في (الكتاب): يسأل الإمام الناس على الناض وإن لم يتجروا، ولا يبعث في ذلك أحدا، بل يكتفي بأمانة الناس، إلا أن يعلم الإمام العدل منعها فيأخذها كرها، ومن تجر من المسلمين من بلد إلى بلد فزكاة واحدة في العام، بخلاف الذمة في العشر، ولا تقوم على تجار المسلمين ولا الذمة أمتعتهم، بل إذا باعوا أدوا، ومن أدعى قراضا أو دينا أو عدم الحول صدق بغير يمين، قال سند: فإن فرقها ربها والإمام عدل أجزأته عند الجمهور، وكذلك لو طلبه فأقام على إيصالها إلى ربها بينة، وقال ابن القصار: إن طلبه الإمام العدل غرمها وإلا أجزأته، فإن لم تقم بينة؛ قال مالك وابن القاسم: لا يقبل قوله إن كان الإمام عدلا، وقال أشهب: يقبل إن كان صالحا، فإن كان الإمام جائرا فلا تدفع إليه ليلا تضيع على مستحقيها، قال أشهب: إن دفعها إلى غير العدل مع إمكان إخفائها لم تجزئه إلا أن يكرهه فلعلها تجزئ، وقال ابن القاسم: إن أخذها الجائر أو عوضا منها وهو يضعها مواضعها أجزأت، وإلا فلا تجزئ طوعا ولا كرها صدقة ولا عوضها، قال أصبع: والناس على خلافه، وإنها تجزئ مع الإكراه، قال أصبغ: فلو دفعها طوعا إليه فأحب إلي أن يعيد. تمهيد: اجتمع في الزكاة شبه الوديعة، ودفع الوديعة لغير ربها يوجب الضمان إلا مع الإكراه، وشبه الدين والنصيب المشترك، وإذا دفعها لوكلاء مستحقيها، والوكيل فاسق أبرأ الدافع، والإمام أقامه الشرع وكيلا للفقراء، قال: فلو كتم ماله، فحلله الجائر: قال في (المجموعة): لا يحلف ويدفع إليه، وهو متجه إذا قلنا بالإجزاء، وإذا قلنا بعدم الإجزاء: يحلف ولا شيء عليه؛ لأنه مكره على أخذ ماله، فإن كان السلطان من أهل الأهواء: قال مالك: يجزئ، قال أشهب: طوعا أو كرها؛ لأن تصرفات الخوارج نافذة، وإلا فسدت أنكحة الناس ومعاملاتهم، وذلك فساد عظيم، ولا ينقض إلا الجور، قال: والناس على ثلاثة أقسام: معروف بالخير يقبل قوله، ومعروف بمنع الزكاة يبحث الإمام عنه، وقال (ح): إذا منعها لا يجبر على أخذها من ماله، لكن يلجأ إلى دفعها بالحبس وغيره لافتقارها إلى النية. لنا: فعل الصديق - رضي الله عنه -. والقياس على الزرع، وأما النية فإنها إنما اشترطت لما فيها من شائبة العبادة التي هي تبع لسد الخلة. فإذا منع المتبوع لا يسقط لتعذر التابع. أو نقول: نية الإمام تقوم مقام نيته. ولا يؤخذ من أموالهم أكثر من الزكاة. وقال (ش): يؤخذ شطر مالهم عقوبة لهم لما في أبي داود أنه عليه السلام قال: (فيمن منعها): (فإنا آخذوها وشطر ماله) جوابه، أن ذلك أول الإسلام حيث كانت النفوس تشح بالزكاة، ولقوله عليه السلام: (ليس في المال حق سوى الزكاة) فإن لم يوجد له مال وهو معروف المال: قال ابن شعبان: له سجنه كديون المعاملات. الثالث: مجهول الحال، فإن أدعى دفعها لم يقبل قوله؛ لأن الأصل بقاؤها، وإن ادعى عدم النصاب صدق؛ لأن الأصل عدمه. الثاني، قال: النية واجبة في أداء الزكاة عند مالك والأئمة لقوله عليه السلام: ( إنما الأعمال بالنيات) ولأنها عبادة متنوعة إلى فرض ونفل، وحكمة إيجاب النية إنما هو تمييز العبادات عن العادات، وتمييز مراتب العبادات فتفتقر للنية لتمييزها عن الهبات والكفارات والتطوعات، وفي (الجواهر): ينوي ولي الصبي والمجنون، وقال بعض أصحابنا: لا تفتقر الزكاة إلى النية قياسا على الديون، ولإجزائها بالإكراه وعمن لا تتأتى منه النية كالمجنون، قال القاضي أبو الحسن: ولا يحتاج الإمام إلى نية؛ لأن فعله يقوم مقام النية. قال سند: وينوي المزكي إخراج ما وجب عليه في ماله ولو نوى زكاة ماله أجزاه وتجب بالتعيين فلو تلفت بعد عزلها أجزأت إذا عينها، وإذا عينها لم تحتج إلى نية عند دفعها للمساكين، وإن لم يعينها وعزلها عن ملكه وجبت النية عند التسليم؛ لأن صورة الدفع مشتركة بين دفع الودائع والديون وغيرها، وجوز بعض الشافعية تقديم نيتها عليها من غير استصحاب قياسا على تقديم الزكاة على أصلهم، ولأنه قد يأمر وكيله بإخراجها، فلو لم يجز تقديمها لكان تغريرا بالمال، ونحن نضمن الوكيل إن لم يفعل ما أمر به فلا ضرر، وينقض عليهم بالنيابة في الحج مع افتقاره إلى نية تقارنه. الثالث: قال: لو تصدق بجملة ماله ونوى زكاته، وما زاد تطوع، أجزأ وإلا فلا، خلافا ل (ح) محتجا بأنه لم يبعد عن المقصود، ويشكل عليه بما لو صلى ألف ركعة، ينوي بها: اثنتين للصبح، والبقية للنفل فإنها لا تجزئ. الحالة الثانية: تعجيل الزكاة، وفي (الكتاب): لا ينبغي إخراج زكاة عين ولا ماشية قبل الحول إلا بيسير، فإن عجل زكاة ماشيته لعامين لم يجزه، وفي (الجواهر): في اليسير خلاف، واختلف في حده إذا جوزناه، فقال ابن القاسم: نحو الشهر، وقال ابن المواز: اليومان، وحكى ابن حبيب عمن لقي من أصحاب مالك: العشرة، وقيل: نصف الشهر، وهذا الخلاف يختص بالعين والماشية، وأما الحرث: فلا يجوز التقديم فيه، وخالفنا الأئمة في التعجيل، وأجازه (ح) عن سنين، وفي الحرث والثمار قبل ظهورهما، وفي أبي داود: (أن العباس سأل النبي عليه السلام في تعجيل صدقته قبل أن يحل فرخص له فيها) ولأن القاعدة: أن تقديم الحكم على شرطه إذا تقدم سببه جائز كالتكفير قبل الحنث لتقدم الحلف، والعفو عن القصاص قبل الزهوق لتقديم الجرح، فكذلك هاهنا لما تقدم السبب الذي هو النصاب لا يضر فقدان الحول، ولذلك اجتمعت الأمة على منع التعجيل قبل كمال النصاب، وقياسا على الديون، فإن الحول حق للأغنياء، فإذا أسقطوه سقط كأجل الدين، والجواب عن الأول: أنه محتمل التعجيل قبل الحول بيسير أو بعده، وقبل الساعي، أو يعجل له الساعي، أو صدقة التطوع، وعن الثاني: أن قصد الحنث عندنا يقوم مقام الحنث إذا كان على حنث فلم يفقد الشرط وبدله، وعن الثالث: أن مصلحة العفو تفوت بالموت فجعل له استدراكها، وها هنا لا تفوت، وعن الرابع: أن الزكاة فيها شائية العبادة، ولذلك افتقرت إلى النية بخلاف الديون، ويدل، على ما قلنا: القياس على الصلاة، ولأن النصاب إذا هلك قبل الحول إن قلتم: أن المعطي واجب لا يكون الحول شرطا، وليس كذلك، وإن لم يكن واجبا فلا يحل للفقير التصرف فيه وهو لم يعط له، فتبطل حكمة التعجيل، وفي (الجواهر): لو عجل بالمدة الجائزة وهلك النصاب قبل تمام الحول، أخذها إن كانت قائمة إن ثبت ذلك وإلا فلا يقبل قوله، أما لو ذبح شاة من الأربعين بعد التعجيل ثم حال الحول لم يكن له الرجوع، لاحتمال نية الندم، فيتهم في الرجوع، قال سند: إذا دفع شاة من أربعين أو نصف دينار من عشرين، وبقي الباقي إلى تمام الحول فظاهر قول ابن القاسم: أن المدفوع زكاة مفروضة، وقاله: (ش)؛ لأن المدفوع يقدر بقاؤه في يد المالك، حتى قال الشافعية لو كانت الماشية مائة وعشرين فولدت شاة الصدقة في يد الفقير سخلة وجب عليه إخراج شاة أخرى لتجدد النصاب، وقال (ح) في الأول: لا تكون زكاة ويستردها من الإمام؛ لأنه لم يحل الحول على نصاب عنده، ولو تلف في يد الساعي قبل إيصاله إلى المساكين لم يضمنه على مقتضى المذهب لوقوعه الموقع، فلو تغيرت حال رب المال قبل الحول بموت أو ردة: قال (ح): إن كان بيد الإمام استرجعه، وإن وصل إلى الفقراء فلا، وقال (ش) وابن حنبل: له ذلك مطلقا، كما لو دفع كراء مسكن فانهدم، ولو تغير حال الفقير بموت أو ردة: فقال ابن القاسم: و(ح) وقعت الموقع اعتبارا بحالة الأخذ، وقال (ش) وابن حنبل: يسترد منه ولا يجزئ ربها، فلو عجل زكاة زرعه قبل حصاده وهو قائم في سنبله: قال مالك: يجزئه للوجوب بالطيب، فلو عجل زكاة ماشيته، ثم جاء الساعي عندما وجده دون ما دفعه للمساكين إذا عجلها بما لا يجوز له، فقولان مبنيان على أن الساعي شرط في الوجوب أم لا. الحالة الثالثة: التأخير مع الإمكان في (الجواهر): هو سبب الإثم والضمان، فلو تلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن فلا زكاة. والنظر في المصرف، وأحكام الصرف وهو الطوائف الثمانية التي في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) (التوبة: 60)، فحصرها بصيغة (إنما) فيهم، فإن لم يوجد إلا صنف واحد أجزأ الإعطاء له إجماعا، كاستحقاق الجماعة للشفعة إذا غابوا إلا واحدا أخذها، وإن وجد الأصناف كلها أجزأه صنف عند مالك و(ح)، وقال (ش): يجب استيعابهم إذا وجدوا، واستحبه أصبغ ليلا يندرس العلم باستحقاقهم، ولما فيه من الجمع بين مصالح: سد الخلة، والإعانة على الغزو، ووفاء الدين وغير ذلك، ولما يرجى من بركة دعاء الجميع بالكثرة ومصادفة ولي فيهم، قاله سند: وانعقد الإجماع على عدم استيعاب آحادهم بل قال (ش): يدفع ثلاثة من كل صنف، وللإمام إذا جمع الصدقات أن يدفع زكاة الرجل الواحد لفقير واحد، هاتان الصورتان تهدمان ما يقوله الشافعي من التمليك، ومنشأ الخلاف: اللام التي في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) هل هي للتمليك كقولنا: المال لزيد، أو لبيان اختصاص الحكم بالثمانية، كقوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن). (الطلاق: 1) أي الطلاق مختص بهذا الزمان، وقوله عليه السلام: (صوموا لرؤية الهلال) أي وجوب الصوم مختص بهذا السبب، فليس في الآية على هذا تعرض لملك، وهذا هو الظاهر لما فيه من عدم المخالفة لظاهر اللفظ بذينك الصورتين، ومن قال بالتمليك يلزمه مخالفة ظاهر اللفظ بهما، وقد نص الله تعالى في الكفارات على المساكين، ومع ذلك يجوز الصرف للفقراء، وكذلك هاهنا. ولهذه الأصناف شروط تعمها، وشروط تختص ببعضها، فالعامة أربعة: الشرط الأول: الإسلام، إلا ما يذكر في المؤلفة قلوبهم. الشرط الثاني: خروجهم عن القرابة الواجبة نفقتهم، وفي (الكتاب): لا يعطيها لمن تلزمه نفقتهم (ومن لا تلزمه نفقتهم) فلا يلي هو إعطاءهم، ويعطيهم من يلي تفريقها بغير أمره كما يعطي غيرهم، قال سند: واختلف في تعليل المنع، فقال مالك: لأنه يوفر نفقته الواجبة عليه. قال عبد الوهاب: لأنهم أغنياء بنفقته، فيدفع لهم خمس ركازه على الثاني دون الأول، ويجوز لغيره الدفع لهم من الزكاة على الأول دون الثاني، ومن لا تجب نفقتهم، المشهور أنهم سواء، وقال ابن حبيب: لا يجزئه إعطاؤها لمن تلزمه نفقته، ولا لمن يشبههم كالأجداد والجدات، وبني البنين والبنات مراعاة لمن يقول: لهم النفقة، ويلزمه أن يقول ذلك في العم والعمة، والخال والخالة. ومن لا تلزمه نفقته من أقاربه إن كان في عياله، وقطع بالدفع إليهم نفقته لم تجزئه قاله ابن حبيب؛ لأنه استعان على ما كان التزمه بزكاته، قال وفيه نظر؛ لأنه له قطع النفقة عنهم، فيكون غيرهم أولى، فقط وإن لم يقطع نفقته أجزأه مع الكراهة. قاله مالك، وروي عنه: لا بأس إذا ولي هو تفريقها أن يعطي أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم، وإن كان مالك يفعل ذلك، وهو قول (ش) للجمع فيها بين الصدقة وصلة الرحم، ويلاحظ عدم الإخلاص بدفع الذم عن نفسه، وخشية أن يعطي لهم وليسوا أهلا. (فرع) ويلحق بالقرابة الزوج، قال ابن القاسم في (الكتاب): لا تعطي المرأة زكاتها لزوجها، وقاله (ح)؛ لأنه يتسع بها فيكون وقاية عن نفقة الزوجة، وكرهه أشهب، و(ش) وإن لم يردها في نفقتها لما في الصحيحين: (أنه سئل عليه السلام عن ذلك فقال: فيه أجران)، قال سند: فإن دفع الزوج زكاته إليها لا تجزئه؛ لأنها غنية بنفقته، قال ابن القصار: إذا أعطى أحد الزوجين الآخر ما يقضي به دينه جاز لعدم عود المنفعة، قال: وهذا يقتضي أن الدفع للأب لوفاء الدين جائز إلا أن يكون الدين لأحد الأبوين على الآخر، وصاحب الدين فقير. الشرط الثالث: خروجهم عن آل النبي عليه السلام، قال سند: الزكاة محرمة على النبي عليه السلام إجماعا، ومالك والأئمة على تحريمها على قرابته، قال الأبهري: يحل لهم فرضها ونفلها، وهو مسبوق بالإجماع، ولما في مسلم قال عليه السلام: (إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) واختلف في تعيينهم فقال ابن القاسم: هم بنو هاشم دون مواليهم، وقاله (ح) واستثنى بني أبي لهب: وزاد (ش) وأشهب: بني عبد المطلب؛ لأنه عليه السلام أعطاهم من سهم ذوي القربى دون العرب لما حرموا من الزكاة، وقال أصبغ: هم عترته الأقربون آل عبد المطلب وهاشم وعبد مناف وقصي دون مواليهم، والأول أظهر، فإن الأول إنما يتناول عند الإطلاق الأدنين، وقال ابن نافع: مواليهم منهم لقوله عليه السلام: (مولى القوم منهم) قال ابن القاسم: معناه في البر والحرمة، كما قال عليه السلام: (أنت ومالك لأبيك) وقال ابن نافع و(ش) و(ح): تحرم عليهم صدقة التطوع والواجبة لعموم الخبر، وجوز ابن القاسم التطوع لقوله عليه السلام: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة) ثم كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يدفعان من ذلك لعلي والعباس - رضي الله عنهما - وفي (الجواهر): من أصحابنا من جوز لهم الواجبة دون التطوع لعدم المنة فيها، فتكون أربعة أقوال. الشرط الرابع: الحرية؛ لأن العبد مكفي بنفقة سيده، قال سند: قال الباجي: يجوز أن يستأجر على حراستها وسوقها، وإن لم يجز أن يكون عاملا عليها؛ لأنها أجرة محضة، وقدمت هذه الشروط لعمومها، والعام يجب تقديمه على الخاص. ولنتكلم الآن على الأصناف وشروطها الخاصة فنقول: الصنف الأول، الفقير، وفي (الجواهر): هو الذي يملك اليسير لا يكفيه لعيشه، وفي (الكتاب): من له دار وخادم لا فضل في ثمنهما عن غيرهما فيعطى، وإلا فلا، قال سند: مذهب (الكتاب): تراعى الحاجة دون قدر النصاب من غير العين، (فإن من ملك نصابا من العين) فهو غني تجب عليه الزكاة، فلا يأخذها، والفرق: أن الشرع حدد نصاب العين ولم يحدده من غيرها، وروي عنه المنع مع النصاب من غير العين إذا فضل عن قيمة المسكن، وروي جواز الأخذ مع النصاب من العين، وأما المستغني بقوته وصنعته: فعلى مراعاة القوة لا يعطى شيئا، وقاله (ش)، قال ملك و(ح) يعطى؛ لأنه ليس بغني، وإنما هو يقدر على شيء ما حصل إلى الآن، قال اللخمي: وقال يحيى بن عمر: لا يجزئ لقوله عليه السلام في أبى داود: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)، والصحيح خمسة أقسام: من له قوة صناعة تكفيه لا يعطى، لقيام الصنعة مقام المال، ومن لا تكفيه يعطى تمام الكفاية، ومن كسدت صنعته يعطى، ومن ليس له صناعة ولا يجد في الموضع ما يتحرف به يعطى، ومن وجد ما يتحرف لو تكلف ذلك فهو موضع الخلاف، ويؤكد المنع: إنما هي مواساة، فلا تحل للقادر على الكسب، كمواساة القرابة بطريق الأولى لتأكيد القريب على الأجنبي، وفي (الجواهر): لا تشترط الزمانة ولا التعفف عن السؤال، والمكفي بنفقة ابنه، والزوج لا يعطى. الصنف الثاني: المسكين، قال سند: المشهور: أن المسكين أشد حاجة من الفقير، وقاله (ح) وقال الشافعي وبعض أصحابنا: الفقير أشد لقوله تعالى: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون). (الكهف: 79) فجعل لهم سفينة، ولأن الفقير مأخوذ من فقار الظهر إذا انكسرت وذلك شأن الموت، وقال ابن الجلاب: هما سواء، لمن له شيء لا يكفيه، فعلى هذا تكون الأصناف سبعة، وقاله ابن وهب، الفقير المتعفف عن السؤال مع الحاجة، والمسكين الذي يسأل في الأبواب والطرق، لقوله عليه السلام في مسلم: (ليس المسكين هو الطواف) الحديث. لنا: قوله تعالى: (أو مسكينا ذا متربة). (البلد: 16) وهو الذي ألصق جلده بالتراب، ولقوله عليه السلام: (ليس المسكين هو الطواف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يا رسول الله، قال: الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا) وقول الشاعر: أما الفقير الذي كانت حلوبته *** وفق العيال فلم يترك له سبد فجعل له حلوبا، قال الأخفش: والفقير من قولهم: فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته، فيكون الفقير من له قطعة من المال، والمسكين من السكون، ولو أخذ الفقير من الذي قالوه، فالذي سكن عن الحركة أقرب للموت منه، وأما الآية: فالمراد بالمساكين المقهورون، كقوله تعالى: (ضربت عليهم الذلة والمسكنة). (البقرة: 61) وذلك لا ينافي الغنى، ومعنى الآية: لا طاقة لهم بدفع الملك عن غصب سفينهم، وورد على الثاني أن المراد بالمسكين في قوله: (ليس المسكين بهذا الطواف) أي المسكين الكامل المسكنة، ولا يلزم من نعته بصفة الكمال نفيه مطلقا، واللام تكون للكمال، قاله سيبويه وجعلها في اسم (الله) له، وعن البيت: إن الحلوبة لم يتمها له إلا في الزمن الماضي، لقوله: كانت في زمن من سماه فقيرا، فلعله كان في ذلك الزمان يسمى غنيا. الصنف الثالث، هو العامل، وفي (الجواهر): نحو: الساعي، والكاتب، والقاسم، وغيرهم، أما الإمام، والقاضي، والفقيه، والقارئ فرزقهم من الخراج والخمس والعشر وغير ذلك، قال سند: وروي عن مالك: من يسوقها ويرعاها، وهو شاذ، قال اللخمي: ويجوز أن يكون العامل غنيا، لقوله عليه السلام في (الموطأ): (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو العامل عليها، أو الغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار مسكين، فتصدق على المسكين، فأهدى المسكين للغني) وأجاز أحمد بن نصر أن يكون من آل النبي عليه السلام، أو عبدا أو ذميا قياسا على الغني، والفرق: أنها أجرة له، فلا تنافي الغني، وكونها أوساخ الناس ينافي آل البيت لنفاستهم، ولكونها قربة، تنافي الكفار والعبيد لخساستهم. قال أبو الطاهر: وشروطه أربعة: العدالة، والحرية، والبلوغ، والعلم بأحكام الزكاة. الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم، وفي (الجواهر): كانوا في صدر الإسلام، يظهرون الإسلام، فيؤلفون بالعطاء لينكف غيرهم بانكفافهم، ويسلم بإسلامهم، وقد استغني الآن عنهم، قال عبد الوهاب: فلا سهم لهم إلا أن تدعو حاجة إليهم، وقيل: هم صنف من الكفار يتألفون على الإسلام، لا يسلمون بالقهر، وقيل: قوم إسلامهم ضعيف فيقوى بالعطاء، وقيل: عظماء من ملوك الكفار أسلموا فيعطون ليتألفوا أتباعهم؛ لأن الجهاد يكون تارة بالسنان، وتارة بالبيان، وتارة بالإحسان، يفعل مع كل صنف ما يليق به. الصنف الخامس: فك الرقاب، في (الجواهر): يشتري الإمام الرقاب من الزكاة فيعتقها عن المسلمين، والولاء لجميعهم، قال ابن القاسم: ولا يجري فيها إلا ما يجري في الرقاب الواجبة، خلافا لابن حبيب في الأعمى والأعرج والمقعد، وقال ابن وهب: هو فكاك المكاتبين، قال محمد: يعطي مكاتبه من زكاته ما لم يتم به عتقه، وفي قطاعة مدبره ما يعتق به، وهما لا يجزئان في الواجب. (فرع): قال: لو اشترى من زكاته رقبة فأعتقها ليكون الولاء له النية لا يجزئه (عند ابن القاسم) لاستثنائه الولاء خلافا لأشهب محتجا بمن أمر عبده بذبح أضحيته فذبحها عن نفسه، فإنها تجزئ عن الآمر، أو أمره بعتق عبده عن نفسه فأعتقه الوكيل عن نفسه، فإن العتق عن الآمر، ولا يجزئ فك الأسير عند ابن القاسم خلافا لابن حبيب. (تمهيد)، قوله تعالى: (وفي الرقاب) اجتمع فيه العرف الشرعي واللغة، أما العرف فلأنه تعالى أطلق الرقبة في الظهار والقتل ولم يرد بها إلا الرقيق الكامل الرق والذات، وأما اللغة، فإن الرقبة تصدق لغة على الأحرار والعبيد ومن كمل ومن نقص، فالمشهور قدم العرف الشرعي، وهو المشهور في أصول الفقه بأنه ناسخ للغة، ومن لاحظ اللغة لكونها الحقيقة، وغيرها مجاز أجاز المكاتب والمدبر والمعيب والأسير وعتق الإنسان عن نفسه، وإن كان الولاء له دون المسلمين، فلأن مقصود الزكاة إنما هو شكر النعمة وسد الخلة، وهذا حاصل، والولاء للمعتق، فإن حق المسلمين إنما يتعين في بيت المال، وكذلك سائر مصارف الزكاة لا يعم منها شيء للمسلمين، وقياسا على الرقاب في غير الزكاة، فإنه يجزئ والولاء للمعتق، قال سند: وجوز ابن حبيب عتق من بعضه حر تفريعا على المكاتبين، قال اللخمي: اختلف في خمسة: المعيب، وإعطاء المكاتب، وإعطاء الرجل، مالا لتعتق عبده والأسير، وعتق بعض عبد فيبقى الباقي رقيقا، أو كان بعضه حرا، قال: وقول مالك وأصحابه إجزاء المعيب، ومن اشترى رقبة من زكاته، وقال: هي حرة عن المسلمين ولا ولاء لي، فولاؤها للمسلمين وتجزئه، وإن قال: حر عني وولاؤه للمسلمين: قال ابن القاسم: لا يجزئه وولاؤه له، وقال أشهب: يجزئه وولاؤه للمسلمين. الصنف السادس: الغارم، وهو من ادَّان في غير سفه ولا فساد، ولا يجد وفاء أو معهم أموال لا تفي ديونهم، فيعطون من الزكاة قضاء ديونهم، وإن لم تكن لهم أموال فهم فقراء غارمون يعطون بالوصفين، وفي الدفع لمن ادَّان في سفه ثم نزع عنه خلاف، وفي دينه لله تعالى كالكفارات والزكوات التي فرط فيها خلاف، قال أبو الوليد: ويجب أن يكون الغارم بحيث ينجبر حاله بأخذ الزكاة ويفسد بتركها بأن تكون له أصول يستغلها فليجئه الدين إلى بيعها فيفسد حاله فيؤدي ذلك من الزكاة، وأما إن كان يتدين أموال الناس ليكون غارما فلا؛ لأن الدفع يديمه على عادته الردية، والمنع يردعه، قال سند: من تداين لفساد ثم حسنت حاله دفعت إليه، وقال ابن المواز: لا يقضى منها دين الميت خلافا لابن حبيب. قال أبو الطاهر في نظائره: وشروط الغارم أربعة: أن لا يكون عنده ما يقضي بها دينه، وأن يكون الدين لآدمي، وأن يكون مما يحسن فيه، وأن لا يكون استدانه في فساد. الصنف السابع: سبيل الله تعالى، وفي (الجواهر): هو الجهاد دون الحج، خلافا لابن حنبل، لنا قوله عليه السلام: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله) الحديث ولم يذكر الحج، ولأن أخذ الزكاة إما لحاجته إليها كالفقير، أو لحاجتنا إليه كالعامل، والحاج لا يحتاج إليها لعدم الوجوب عليه حينئذ إن كان فقيرا، ولأن عنده كفايته إن كان غنيا، ولا نحتاج نحن إليه، قال سند: قال عيسى بن دينار و(ح): إن كان غنيا ببلده، ومعه ما يغنيه في غزوه، فلا يأخذها، ووافقنا الشافعي، لنا: أن الآية مشتملة على الفقراء، فيكون سبيل الله تعالى غيرهم عملا بالعطف، ويؤكده الحديث المتقدم، قال ابن عبد الحكم: ويشتري الإمام منها المساحي، والحبال والمراكب، وكراء النواتية للغزو، وكذلك الجواسيس وإن كانوا نصارى، ويبنى منها حصن على المسلمين، ويصالح منها العدو، وقال أبو الطاهر: في ذلك قولان، والمشهور: المنع لأنهم فهموا من السبيل الجهاد نفسه. الصنف الثامن، ابن السبيل. وفي (الجواهر): وهو المنقطع به بغير بلده، المستديم السفر، وإن كان غنيا ببلده، ولا يلزمه التداين لاحتمال عجزه عن الأداء، وقيل: إن قدر على السلف لا يعطى، فإن كان معه ما يغنيه فلا يعطى لكونه ابن السبيل، أو يعطى: روايتان، والأول المشهور، وما أخذ لا يلزمه رده إذا صار لبلده لأخذه إياه باستحقاق، ولصرفه في وجوه الصدقة، قال سند: إن كان مستمر السفر فلا خلاف، وإن أقام مدة ثم أراد الخروج أجاز مالك و(ش) الدفع له؛ لأنه غريب يريد السفر، قياسا على المستديم، بجامع الحاجة، ومنع (ح)، ومن اضطر إلى الخروج من بلده: زعم بعض المتأخرين الدفع له لما يسافر به، وإن كان ذاهبا إلى غير مستعيب، دفع له نفقة الرجوع، شبهه بابن السبيل، وإن لم يقع عليه، ومنع عبد الوهاب مطلقا، ولو احتاجت زوجة ابن السبيل التي خلفها النفقة: قال مالك: يعطى لها، وفي (الكتاب): (الحاج ابن السبيل). قال أبو الطاهر في نظائره: شروط ابن السبيل ثلاثة: أن يكون سفره غير معصية، وأن يكون فقيرا في الموضع الذي هو فيه، وأن لا يجد من يسلفه. وهي سبعة: الأول، في (الكتاب): إن وجد الأصناف كلها آثر أهل الحاجة من غير تحديد، قال سند: إن استوت الحاجة: قال مالك: يؤثر الأدين ولا يحرم غيره. وكان عمر - رضي الله عنه - يؤثر أهل الحاجة ويقول: الفضائل الدينية لها أجور في الآخرة. والصديق - رضي الله عنه - يؤثر بسابقة الإسلام والفضائل الدينية؛ لأن إقامة بنية الأبرار أفضل من إقامة بنية غيرهم، لما يترتب على بقائها من المصالح. وإذا أعطي المحتاج: فروى ابن نافع ذلك غير محدود، ويعطيه قوت سنة بقدر المقسوم، وقد تقل المساكين وتكثر. وروى المغيرة: لا يعطى نصابا، وقاله (ح)؛ لأن الدفع لوصف الفقراء فلا يخرج به عنه. وعلى الأول: يعطيه قوت السنة، وإن اتسع المال زاده ثمن العبد ومهر الزوجة. وفي (الجواهر): يعطى الغارم قدر دينه، والفقير والمسكين كفايتهما وكفاية عيالهما، والمسافر قدر ما يوصله إلى مقصده أو موضع ماله، والغازي ما يقوم به حالة الغزو، والمؤلفة بالاجتهاد، والعامل أجرة مثله. ومن جمع وصفين استحق سهمين. وقال القاضي أبو الحسن: بل بالاجتهاد. قال سند: قال ابن القاسم: يعطى منها العامل بقدر كثرة ماله وقلته، وكثرة المتحصل وقلته، وعمله وصف يستحق به كالفقر؛ لأنها أجرة، فإن كان ذميا أعطي من غيرها. وقال ابن لجلاب: يدفع إليهم أجرة معلومة منها بقدر عملهم، ولا يجوز أن يستأجروا بجزء منها للجهالة بقدره. قال: فنحا بها منحى الإجارة، وهو خلاف المشهور. الحكم الثاني في الترتيب: قال اللخمي: يبدأ بالعاملين؛ لأنهم كالأجراء، ثم الفقراء والمساكين على العتق؛ لأن سد الخلة أفضل، ولأنه حق للأغنياء ليلا تجب عليهم المواساة مرة أخرى. وإذا وجدت المؤلفة قلوبهم قدموا؛ لأن الصون عن النار مقدم على الصون عن الجوع، كما يبدأ الغزو إن خشي على الناس، وابن السبيل إن كان يلحقه ضرر قدم على الفقير؛ لأنه في وطنه. الحكم الثالث في الإثبات. وفي (الجواهر): ما خفي من هذه الصفات كالفقر والمسكنة: من ادعاه صدق، ما لم يشهد ظاهره بخلافه، أو يكون من أهل الموضع ويمكن الكشف عنه فيكشف، والغازي معلوم بفعله، فإن أعطي بقوله ولم يوف استرد، ويطالب الغارم بالبينة على الدين والعسر إن كان عن مبايعة إلا إذا كان عن طعام أكله، وابن السبيل يكتفي فيه بهيئة الفقر. الحكم الرابع، مباشرتها، في (الكتاب): لا يعجبني أن يلي أحد صدقة نفسه خوف المحمدة، وليدفعها لمن يثق به فيقسمها، وقال (ش): أحب إلي أن يتولاها قياسا على الأضحية، وليتقن أداءها، وفي (الجواهر): إذا كان الإمام يعدل في الأخذ والصرف لم يسع المالك أن يتولى الصرف بنفسه في الناض ولا في غيره، بل الإمام، لاحتياجها إلى الاجتهاد في تعيين الأصناف، وتحقيق صفاتهم وشروطهم، وتعيين البلدان في الحاجات، وهي أمور لا يطلع عليها إلا الولاة غالبا، وأما الحرث والماشية فيبعث الإمام فيها، وقيل: زكاة الناض إلى أربابه، قال عبد الملك: ذلك إذا لم يكن المصرف الفقراء والمساكين خاصة، لاحتياج غيرهما إلى الاجتهاد، وحيث قلنا: يليها ربها، فالأفضل له أن يوليها غيره، إلا أن يجهل أحكامها فيجب، وإذا كان الإمام جائرا لم يجز دفعها له، قال اللخمي: إذا كان الإمام مشغولا تولى الناس الحرث والعين، وانتظروا بالماشية الإمام، وفيه خلاف، قال سند: ولمفرقهما أن يأخذ منها بالمعروف إن كان أهلا. الحكم الخامس، في الخطأ فيها، قال سند: إن دفعها لكافر أو عبد أو غني ولم يعلم، فإن كان الإمام لم يضمن، لأنه عليه بالاجتهاد وقد فعله، أو رب المال، فظاهر (الكتاب): لا يجزئه، وقال ابن القاسم: لا ضمان عليه، وفرق بعض الناس بين الكافر والعبد، فلا يجزئ لاشتهارهما غالبا، وبين الغني فيجزئ؛ لأن الرجل قد يكتم غناه كثيرا في الناس، ويحرم الدفع لأهل الأهواء وتارك الصلاة على الخلاف في تكفيرهم، وجوز (ح) الدفع للذمي، لنا: قوله عليه السلام لمعاذ: (فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) فالظاهر اختصاص الفقراء بالمأخوذ منهم، قال اللخمي: إن كان عالما بالغني أو بالذمي أو العبد لم يجزه، وإن لم يعلم وهي قائمة انتزعت، وإن أكلوها غرموها على المستحسن من القول؛ لأنهم صانوا بها أموالهم، وإن هلكت بأمر من الله تعالى وكانوا غروا من أنفسهم غرموا وإلا فلا، ثم يختلفوا في تغريم من وجبت عليه وكذلك الإمام، قال أبو الطاهر: فإن دفعها لمستحقها، ثم زال سبب الاستحقاق كابن السبيل لا ينفقها حتى يصل إلى موضعه، أو يصله ماله، والغازي يقعد عن الغزو انتزعت، وتردد في الغارم يسقط دينه، أو نؤديه من غيرها، قال صاحب (تهذيب الطالب): إن استهلكها العبد: هل تكون جناية في رقبته أم لا لأنه متطوع؟ فيه خلاف، فإن دفع لمسلم ما لا يجزئ كالعوض رجع إن كان قائما ولا يرجع إن فات؛ لأنه ظالم مسلط له عليه، أما لو لم يبين أنها زكاة حملت على التطوع ولا رجوع له. الحكم السادس: تفريقها بغير بلدها، وفي (الكتاب): من حال عليه الحول بغير بلده زكى ما معه وما خلف ببلده، وكذلك إذا كان الجميع ببلده إلا أن يخشى الحاجة على نفسه ولا يجد سلفا، وقد كان يقول: يقسم ببلده، واستحبه أشهب، إلا أن يكون بموضع حاجة، فإن خشي أنها تؤدى عنه ببلده: فليس عليه ذلك، ولا يدفع الإمام منها شيئا إلى بيت المال، وتنفذ الزكاة بموضع وجبت إن أمكن، وإلا نقلها لأقرب البلاد إليهم؛ لتعلق آمال فقراء كل بلد بأغنياء أهلها، فإن بلغه حاجة عن غير بلده، أعطى منه أهل بلده، ثم نقله إلى بلد الحاجة، قال سند: إن كان موضع الزكاة ليس فيه مستحق نقلت للأقرب إليه لخفة المؤنة، وإن كان فيه مستحق لكن حاجة غيره أشد، نقلها كما نقل عمر - رضي الله عنه - زكاة مصر إلى الحجاز، وإن لم تكن حاجة غيره أشد: فقول (ح) و(ش) وغير المشهور عن مالك: النقل، (وحيث قلنا بعدم النقل)، قد استثنى ابن القاسم الموضع القريب، وإذا قلنا: لا تنقل فنقل فضاعت فإن كان الإمام: لم يضمن؛ لأنه موضع اجتهاد، وإن كان رب المال: ضمن، وحيث قلنا بجواز النقل، فالأظهر إرسالها بعد الحول، ولا يضمن أن تلفت، وفي (الجواهر): نقل الصدقة عن موضع وجوبها - وهو البلد الذي فيه المال والمالك والمستحقون - غير جائز، فإن فعل كره وأجزأ، وقال سحنون: لا يجزئ، فإن افترق المال والمالك فهل يعتبر مكان المال عند تمام الحول فتفرق الصدقة عنده إذ هو سبب الوجوب، أو مكان المالك إذ هو المخاطب بها فيخرجها حيث هو؟ قولان، وأما صدقة الفطر: فإنها ينظر فيها إلى موضع المالك فقط، وحيث قلنا: ينقلها، فروى ابن القاسم: أن الإمام يتكارى عليها من الفيء، وقال ابن القاسم: لا يتكارى ولكن يبيعها ثم يشتري مثلها بالموضع، وفي (العتبية): من ليس بموضعه مساكين حملها من عنده حتى تصل إلى المساكين. الحكم السابع، في (الكتاب): لا يخرج في زكاته إسقاط دينه عن الفقير؛ لأنه مستهلك عند الفقير، قال سند: فإن فعل: فقال ابن القاسم: لا يجزئه، وقال أشهب: يجزئه بمنزلة الدفع للغارم بجامع السبب لبراءة الذمة. وفي (الجواهر): هي واجبة عند مالك والأئمة، وحكى أبو الطاهر قولا بأنها سنة، لما في (الموطأ): (أنه فرض زكاة الفطر على الناس من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين) وقوله: على كل حر أو عبد كما تقول رضي الله عني ورضي علي، ولولا ذلك لم يكن لقوله: على الناس فائدة، حجة السنة: أن (فرض) معناه قدر، والسنة مقدرة. ويروى أن سعد بن عبادة قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر قبل نزول الزكاة، فلما نزلت لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعلها، والجواب عن الأول: أن ظاهر الفرض الوجوب، فالعدول عنه لغير دليل تحكم، وعن الثاني: نقول بموجبه، فإن ظاهر الأمر السابق الوجوب، والسكوت بعد ذلك لا يكون نسخا، بل اكتفي بما تقدم. ويتمهد الفقه: ببيان سبب وجوبها، والواجب عليه، والواجب عنه، والواجب، فهذه أربعة فصول. وقد اعتبر الشرع فيه أمرا وهو الوقت، وفيه تعينه أقوال، وأمورا خاصة، وهي القرابة والملك والنكاح، ولما كانت الثلاثة أسبابا للنفقات، كانت أسبابا للزكوات عن المنفق عليه بجامع تحمل الحق المالي، ودل على ذلك قوله عليه السلام: (أدوا الزكاة عمن تمونون)، واعتبر أيضا غير هذا، وهو تطهير الصائم من رفث صومه، وقد روي ذلك في الحديث، ولهذا المعنى وجبت على الإنسان عن نفسه ليطهرها من رفثه، ولم تجب عن عبيده الكفار؛ لأنهم ليسوا أهلا للتطهير. تنبيهان: الأول، قد تجب النفقة ولا تجب الزكاة، كالمستأجر بنفقته، وتجب الزكاة دون النفقة بل بمجرد الملك، كالعبد الهارب والمكاتب، الثاني، أن الوقت هنا ليس شرطا كما قلنا في الحول مع النصاب فإن الشرط ما ظهرت مناسبته في غيره كالحول مكمل لتنمية النصاب، والوقت ها هنا ليس مكملا لحكمة القرابة أو الملك أو التطهير، فليس شرطا، وقد دل الدليل على اعتباره فتعين ضمه إلى أحد الأسباب الأخر، فيكون المجموع هو السبب التام، وكل واحد جزء سبب، كالقتل العمد والعدوان، وفي (الجواهر): قال مالك وابن القاسم و(ح): تحب بطلوع الفجر يوم الفطر، وروي عن مالك: تجب بغروب الشمس ليلة العيد. وقاله (ش)، وبطلوع الشمس يوم الفطر قياسا على الصلاة. وبغروب الشمس ليلة الفطر وجوبا موسعا إلى غروب الشمس من يوم الفطر، قال القاضي أبو بكر: والأول الصحيح، وفي (الجلاب): من اشترى عبدا ليلة الفطر، فهل زكاته على البائع أو على المبتاع؟ روايتان. تنبيه: القائل: تجب بغروب الشمس قال: تجب وجوبا موسعا إلى غروب الشمس من يوم العيد، فيكون هو هذا القول ولا فرق بينهما، واعلم أن الأقوال الأربعة متفقة على أن الوقت وقت أداء إلى غروب الشمس، وإنما القضاء بعده، والفرق بين القولين: أن القائل بغروب الشمس يحصر السبب في غروب الشمس، وبقية اليوم عنده صرف للإيقاع، فجملة اليوم عنده واجب فيه لا بسببه. والقائل الرابع يقول: كل فرد من أفراد زمنه اليوم سبب للوجوب وظرف للإيقاع، فكل فرد من أفراد زمنه اليوم يقتضي الوجوب وجوبا موسعا إلى غروب الشمس، فلا جرم كل من يجد في أي وقت كان من أجزاء اليوم وجب عليه الإخراج باعتبار ما يتجدد بعده من الأزمان، فإذا أسلم كافر عند الزوال يجب عليه الإخراج لأجل ما يقارنه من الأزمنة الكائنة بعد الزمان بعد الزوال؛ لأن كل جزء من اليوم يسبب الوجوب، لظاهر قوله عليه السلام: (أغنوهم عن سؤال هذا اليوم) فالخلاف بين القائلين: هل جميع أجزاء اليوم ظرف للإيقاع فقط والسبب الغروب فقط. أو ظرف وأسباب؟ ويكون المعتبر في السببية القدر المشترك بينهما، فينقسم على رأي هذا القائل المشترك بين الأغنياء إلى واجب فيه كالعام لقضاء الصوم، وإلى واجب بسببه كأجزاء اليوم، وإلى واجب عليه كالمشترك بين الفرق، وفي فروض الكفاية، وإلى الواجب نفسه كالمشترك بين خصال الكفارة، أربعة أقسام، واقعة في الشرع إجماعا، وإنما الخلاف في بعض الصور هل هي فيها أم لا؟. وسبب الخلاف: أن الفطر الذي أضيفت إليه في الحديث، هل يحمل على الفطر الشرعي الذي لم يوجد في رمضان، وذلك إنما يتحقق بطلوع الفجر - وهو المشهور - أو على مطلق الفطر الشرعي الكائن بعد رمضان، وهو غروب الشمس ليلة الفطر، أو يلاحظ إيماؤه عليه السلام في قوله: (أغنوهم عن سؤال هذا اليوم). والليلة مندرجة في اليوم، فتجب وجوبا موسعا من أوله إلى آخره؛ لأنه لم يخصص منه شيئا، أو يلاحظ قاعدة أخرى وهي: أن الحكم إذا علق على اسم هل يقتصر على أوله أو يستوعب؟ فيه خلاف في الأصول، فإذا قلنا بالاستيعاب، فهو الموسع أو بالاقتصار، فيلاحظ قاعدة أخرى، وهي: أن الليلة هل هي لليوم الآتي أو الماضي؟ فيه خلاف، وإذا فرعنا على الآخر: فمن الفجر إلى الشمس هل هو من الليل أو من النهار، أو قائم بنفسه؟ ثلاثة أقوال، وفي (المقدمات): قال عبد الملك: آخر وقتها زوال الشمس من يوم الفطر قياسا على الصلاة. ويتخرج على الخلاف: وجوبها وسقوطها عن المولود، والمشترى، والميت، والمعتق، والمطلقة. ومن أسلم، وفي (الكتاب): من أسلم يوم الفطر بعد الفجر استحب له زكاة الفطر والأضحية؛ لأنهم مخاطبون بالفروع، ولا تؤدى عن الجنين إلا أن يولد ليلة الفطر، وإن كانت النفقة واجبة للحامل؛ (لأن النفقة وجبت للحامل) بسبب الحمل لا للحمل. فروع ثلاثة: الأول في (الكتاب): ويستحب أن تؤدى بعد الفجر يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وقاله الأئمة، وفي أبي داود: قال عليه السلام لما ذكرها: (من أدها قبل الصلاة فهي مقبولة، ومن أدها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ولأن المستحب الأكل قبل الغدو، فتقدم للفقير ليأكل منها، ويستغني عن السؤال من أول اليوم، ولأنه مبادرة إلى الخيرات، وإن أداها قبل الفطر بيوم أو يومين جاز، ويؤديها المسافر حيث هو، وإن أداها أهله عنه أجزأه، قال سند: من قال: إن وقتها طلوع الشمس لا يستحبها قبل ذلك لعدم الوجوب، قال ابن القاسم: إن عزلها فتلفت لم يضمنها، وإن دفعها قبل يوم الفطر لمن يفرقها جاز اتفاقا، فإن دفعها للفقير لم تجزه عند عبد الملك، قال: وزعم الباجي أن هذا هو مشهور المذهب؛ لأن القول الآخر ينزع إلى إخراج الزكاة قبل وقتها، وتأول عبد الوهاب ظاهر (الكتاب): على الإخراج لمن يفرقها؛ لأنها كانت عادتهم بالمدينة والأكثرون على خلافه، ثم ينتقض قوله بتجويزه الدفع إلى الإمام باليومين، ويده يد الفقراء، والفرق بين اليومين وأول الشهر: أن العباد أضياف الله تعالى يوم الفطر، لذلك حرم عليهم صومه، ففي اليومين يتمكن الفقير من تهيئتها ليوم العيد ويتسع فيه، وقبل ذلك تذهب منه، ومقتضى هذا: أن يكون التقديم أفضل، لكن روعي سبب الوجوب فاقتصر على ذلك. وقال (ح): يجوز إخراجها قبل رمضان لأول يوم من السنة، وقال (ش): تجوز في رمضان لا قبله، فجعل (ح) وجود المزكي كوجود النصاب في الأموال، فإنه إنما يخرجه عن نفسه، ورأى أنها متعلقة بسببين: الصوم والفطر منه، فيجوز بعد أحدهما، كالكفارة بعد الحلف وقبل الحنث، وتعلقها عندنا بالفجر فلا تجزئ قبله إلا بالسير، لحصول المقصود في الوقت كما تقدم، ولو أخرجها بيومين فهلكت، قال ابن المواز: لم يضمنها لتعيينها بفعله كزكاة المال، قال سند: لا يفيد الضمان كالإخراج قبل الحول فتضيع قبله. الثاني، قال سند: ولا يأثم بالتأخير ما دام يوم الفطر قائما، فإن أخرها عنه أثم مع القدرة، وقاله (ش) وابن حنبل، وأخرج المسافر عن عبيده وأهله الغائبين عنه يتخرج عن تزكيته لمال الغائب مع ما في يده، فإذا أخرج أهله وكان ذلك عادتهم، أو أمرهم أجزأه، وإلا تخرج على الخلاف فيمن أعتق عن غيره بغير إذنه وعلمه، والإجزاء أحسن؛ لأنه حق مالي كالدين. الثالث، في (الكتاب): من مات يوم الفطر أو ليلته ممن تلزمك نفقته لم يسقطها موته، ومن مات حينئذ فأوصى بها كانت في رأس ماله، ولو لم يوص بها لم يجبر الورثة عليها، ويندبون كزكاة العين تحل في مرضه، وإنما يكون في الثلث ما فرط فيه في صحته إذا أوصى به، وقوله: لم يسقطها موته، مع موته ليلة الفطر: يدل على أن وقت الوجوب غروب الشمس وقد صرح في غير هذا الموضع بأنه طلوع الفجر. وفي (الجواهر): هو الحر المسلم الموسر، ولا زكاة على معسر، وهو الذي لا يفضل عن قوته ذلك اليوم صاع، ولا وجد من يسلفه إياه، وقيل: هو الذي يجحف به في معاشه إخراجها، وقيل: من يحل له أخذها، واختلف فيه، فقيل: من له أخذ الزكاة، وقيل: الذي لا يأخذ منها في يومه، فعلى الأول: يجوز أن يعطى مسكين واحد أكثر من صدقة إنسان واحد، وهو المشهور، وعلى الثاني، فلا، وروى مطرف عن مالك: يستحب أن يعطى المسكين ما يخرج عن نفس واحدة، فإن أعطى زكاة نفس واحدة لمساكين عدة جاز، وفي وجوبها على من له عبد لا يملك غيره، وعلى من عليه دين، خلاف، وفي (الكتاب): تجب على من يحل له أخذها، وعلى المحتاج إن وجد أو وجد من يسلفه وإلا فلا، ولا يقضيها بعد ذلك إلا أن يؤخرها مع القدرة، ووافقنا (ش) وابن حنبل في إيجابها على الفقير، وخصصها (ح) بمن يملك نصابا أو قيمته خارجا عن مسكنه وأثاثه، لنا: عموم الحديث المتقدم، وما في أبي داود: أنه عليه السلام ذكر زكاة الفطر وقال: (أما غنيكم فيزكيه الله تعالى، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه) وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: (فرض عليه السلام زكاة الفطر طهرة للصيام من اللغو) وهو عام؛ ولأنها لو تعلقت بالغني، لكثرت بكثرته كسائر الزكوات، ولما لم يكن كذلك كانت كالكفارة، قال سند: وظاهر (الكتاب): لا يسقطها الدين، وفي (الكتاب): من عنده عبد وعليه عبد من سلم لا تلزمه الزكاة عنه، قال عبد الحق: الفرق بينها وبين الماشية في عدم إسقاط الدين إياها: أنها موكولة لأربابها فأشبهت النقدين، ولأنه شرط في (المدونة) أن لا مال، فلو وجبت عليه أمر ببيع العبد، فيتعين ثمنه دينا عليه، والدين أولى به، فتسقط الزكاة بالدين وفي (الموازية): لم يشترط عدم القدرة على الفطر فيبطل الوجه الثاني، وقال عبد الوهاب: من عنده صاع لا يضره إخراجه في معيشته، ولا يجوع عياله، أو دين يضر به، فعليه إخراجه، فاعتبر الدين كزكاة النقدين، وجه الأول: أنها أشبهت الزرع من جهة عدم اشتراط الحول، وكذلك أيضا أشبهت المعدن، فلو قدر على بعض الزكاة فالمذهب وجوبه، لقوله عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقاسه بعض الشافعية على بعض الكفارات في عدم الوجوب، والفرق: أنها يجب بعضها على مالك بعض عبد، بخلاف الكفارة فإن لم يقدر إلا مما أخذ من الزكاة يوم الفطر: قال مالك: يؤديها، واستحبه ابن الجلاب لحدوث القدرة بعد سبب الوجوب، قال: ويحتمل قول مالك الوجوب وليس ببعيد؛ لأن وقت أدائها قائم كطهور الحائض آخر الوقت. والمشهور: الاستحباب وقاله (ش)؛ لأن وقت الوجوب ليس بموسع كوقت طيب الثمار. سؤال: من أخر زكاة الفطر قضاها بخلاف الأضحية، فما الفرق؟ جوابه: أن المقصود سد الخلة، وهو حاصل في سائر الأوقات، والمقصود في الأضحية التضافر على إظهار الشعائر، وقد فات، ولأن القضاء من خواص الواجب. وفي (الجواهر): هو كل من وجبت نفقته بملك أو قرابة أو نكاح، إلا الكافر، والبائن الحامل، وقال (ش) و(ح): لا تجب عن الزوجة؛ لأنها في معنى المعاملة، وكالمستأجر بنفقته، ووافقنا (ش) في الزوجة خلافا لـ (ح). فروع ثمانية: الأول، في (الكتاب): يؤديها عن عبيده المسلمين كانوا للتجارة أو للقنية، قيمتهم نصابا أو أقل، أصحاء أو مرضى، مجذمين أو عميانا، ووافق (ش) في عبيد التجارة، خلافا ل (ح) ومن له بعض عبد لا يؤديها إلا عن حصته، كان باقيه رقيقا أو حرا، ولا شيء على العبد فيما كان منه معتقا، ولا على المكاتب بل على سيده، خلافا للأئمة، ولا يزكي عن الآبق إلا أن يرتجى لقربه، وزكاة القراض على رب المال، وقال أشهب: إذا بيعوا فربح فيهم مثل الثلث من الثمن فعلى العامل سدس تلك الزكاة، أو الربع، فعليه الثمن إن قارضه على النصف، والأصل في هذا الباب: قوله عليه السلام: (على كل حر أو عبد) الحديث المتقدم، ولقوله: (أدوا الزكاة عمن تمونون) فلم يخرج من ذلك المستأجر بنفقته، قاله اللخمي، وهي واجبة عندنا على السيد بالأصالة، وعند الشافعية بطريق التحمل على العبد، والرق والمالكية سبب التحمل قالوا: لأن العبد لو كان كافرا لم يجب على السيد شيء، وجوابهم: أن الكافر ليس أهلا للتطهير، ولو كان بطريق التحمل: لاختلف باختلاف فقر العبد وغناه، قال سند: لو أعتقهم عند زمانتهم صح العتق إجماعا، وفي سقوط نفقتهم خلاف، وأما المشترك: فوافق المشهور (ش) وابن حنبل، وفي (الجواهر): قال عبد الملك: على كل واحد من الشريكين صاع كامل، وقيل: يخرج كل واحد نصف صاع، ولم يعتبر النصاب وأسقطها (ح) مطلقا لعدم الولاية، ولو كان حر وعبد، قيل: على الحر حصته فقط، وقال مطرف: بل جملتها، وجه المذهب: أنها تابعة للنفقة، فهي متبعضة فتتبعض. نظائر، قال أبو عمران في نظائره: ثلاثة مسائل تعتبر فيها الأنصباء: الفطرة عن العبد المشترك، والشفعة، والتقويم في العتق، وست مسائل تختص بالرءوس دون الأنصباء: أجرة القاسم، وكانس المراحيض، وحارس أعدال المتاع، وبيوت الغلات، وأجرة السقي على المشهور، وحارس الدابة، والصيد، ولا يعتبر فيه كثرة الكلاب، وزاد العبدي: كنس السواقي، قال سند: وأما المعتق بعضه فخمسة أقوال: مذهب (الكتاب): المتقدم وروى عبد الملك أن جميعها على السيد؛ لأنها لا تتبعض، والمعتق بعضه ليس أهلا للزكاة لرق بعضه، فتعين الكل على السيد، (وروي عنه: على السيد) بقدر ملكه، والمعتق بقدر ما أعتق منه. وقاله (ش) وابن حنبل؛ لأن المعتق كالشريك لقسمته مع المنافع والنفقة، وقال ابن مسلمة: إن كان للعبد مال فكذلك، وإلا فعلى السيد الجميع؛ لأن الزكاة تبع لليسار، وأسقطها (ح) عنهما بناء على أصله في استسعاء العبد لتكملة العتق، وأما المكاتب: فروي عن مالك و(ش) و(ح): سقوطها مطلقا لنقصان ملك السيد لحرزه ماله نفسه، وخصصها ابن حنبل به في كسبه كنفقته، قال: ولا يبعد تخريج مثله على قول مالك فيمن بعضه حر، وقال (ح): يزكى عن الكافر، لما يروى عنه عليه السلام أنه قال: (أدوا زكاة الفطر عن كل حر أو عبد صغير أو كبير، يهودي أو نصراني أو مجوسي، نصف صاع من بر) وقياسا على رقيق التجارة، والجواب عن الأول: أنه غير معروف في كتب الحديث، وعن الثاني: أن المزكي ثم القيم لا الرقيق، ويؤكد قولنا قوله عليه السلام في (الموطأ): (من المسلمين)، والقياس على الأب الكافر، فلو كان السيد كافرا وأسلم عبده ولم ينزع من يده: قال مالك و(ح): لا يجب عليه شيء، خلافا لـ (ش) وابن حنبل؛ لأن الكافر غير مخاطب فيخرج من العموم، فلو ارتد المسلم وقت الوجوب ثم تاب بعده سقطت زكاة رقيقه عنه عند مالك و(ح) وكذلك لو ارتد بعد الوجوب قبل الأداء، خلافا لـ (ش) والخلاف يتخرج على قاعدتين: إسقاط الردة للعمل وإن لم يمت عليها، وزوال ملكه بالردة، وأما الآبق، غير المرجو لا يزكى عنه عند مالك و(ح) خلافا لـ (ش) قياسا على الأسير، فلو غاب غير آبق: ففي (الموازية): يزكى عنه وإن طالت غيبته، لاستصحاب الملك، والمغضوب في التفرقة بين المرجو وغيره، وأما رقيق القراض فأربعة أقوال: يؤخذ من مال رب المال، وهو ظاهر (الكتاب): لتعلقها بالمالك لا بمال القراض، بخلاف زكاة ماشية القراض، وقال أشهب: يخرج من مال القراض؛ لأنه سبب وجوبها، ولا يلغى، بخلاف النفقة؛ لأن النفقة لمصلحة المال، وقال مالك: تلغى كالنفقة، وروي عنه: تسقط عن النصيبين بناء على أن العامل يملك بالظهور، قال صاحب (الاستذكار): قال (ش): يزكى عن المغصوب والآبق الميئوس منهما إن علمت حياتهما، وأسقطها (ح)، وقال مالك: يزكى عن المرهون، وقال (ش): إن كان عنده وفاء للدين، وفاضل مائتي درهم زكى وإلا فلا، والعبد يباع بالخيار يزكي عنه البائع عند مالك، وقاله (ش)، إن كان الخيار له، وأنفذ البيع، وإن كان للمشتري أو لهما: فعلى المشتري، وقال (ح): على من يصير إليه العبد. الثاني: في (الكتاب): إذا أوصى برقبته لرجل وبخدمته لآخر: فزكاته عن الموصى له برقبته إن قبل الوصية، وقاله (ش) و(ح) لتعلق الزكاة بالعين، قال سند: وهو الذي رجع إليه ابن القاسم، والنفقة على المخدم؛ لأنها قوام المنفعة، ولهذا يجب على رفع الأمة إذا بوتت معه بيتا، وكذلك نفقة الفرس المحبس للجهاد، والإبل للحمل على من هي تحت يده، وحكى ابن المواز أن النفقة والزكاة على المخدم طالت المدة أو قصرت؛ لأن الإخدام يعتمد الحوز فيضعف الملك، وقال سحنون: كلاهما على المالك كالعبد المستأجر وتغليبا للعين. والرابع: الفرق بين قصر المدة في الخدمة فعلى المالك، وبين طولها فعلى المخدم كالمحبس، فلو أخدم عبده ثم هو حر فعلى قولنا: الزكاة تمت عليه، لا يجب على صاحب المنفعة ها هنا شيء، كمن آجر عبده وعلق عتقه بفراغ الإجارة، وتجب على صاحب الرقبة، وروي عن مالك: تجب على المخدم؛ لأنها محبوسة له، وما للسيد فيها مرجع. الثالث في (الكتاب): زكاة العبد زمن الخيار، والأمة زمن المواضعة، ونفقتهما على البائع؛ لأن ضمانها منه بخلاف المبيع بيعا فاسدا، وهي في زمن الفطر عند البائع، والموروث إذا لم يقبض إلا بعد يوم الفطر: فعلى الوارث، قال سند: أما من يقول: الملك في زمن الخيار للمشتري، فالزكاة عليه، ومن قال: هو موقوف رتب الزكاة على الإمضاء والرد، وقد تقدم الخلاف في زكاته بين الأئمة. وأما المواضعة: فقال أشهب: إن حاضت ليلة الفطر أو يومه، فعلى كل واحد منها زكاة كاملة، وكذلك العبد يباع بعهدة الثلاث فتنقضي قبل يوم الفطر أو ليلته، ولو تأخرت عن يوم الفطر فهي على البائع فقط؛ لأن الزكاة عنده تبع للملك بمجرده، وكذلك أوجب الزكاة على المعمر المالك وإن لم تكن نفقته عليه، والملك عنده في المواضعة، والعهدة للمبتاع، ووافق في أن الملك في بيع الخيار للبائع، ولذلك جعل الولد له، وأما البيع الفاسد: فإن قبض المبتاع العبد وفات: فزكاته عليه لاستقرار ملكه، وإن لم يفت، فقال عبد الملك: إن فسخ بحدثان ذلك: فعلى البائع تغليبا لما تقدم من الملك، وإن فات السيد ملك المبتاع إلى يوم القبض؛ لأنه يوم وجوب القيمة، فيعتبر زمن الفطر حينئذ هل صادف أم لا؟ وابن القاسم يراعي النفقة والضمان، وقال أشهب: إن أدركه يوم الفطر غير فائت فعلى البائع وإلا فعلى المبتاع، فراعى الفوت دون الرد، وقال أيضا: على كل واحد من البائع والمبتاع صاع كامل، كما قال في المواضعة نظرا لملك البائع، وأن النفقة على المبتاع، وهما سببان للزكاة في العبد الغائب والزوجة. الرابع: في (الكتاب): لا يؤديها عن عبد عبده، خلافا ل (ش) و(ح)؛ لأنه ليس ملكا له؛ لأن العبد عندنا يملك ولو أعتق سيده لا يعتق عبد عبده. الخامس: في (الكتاب): تسقط زكاة الولد ببلوغ الغلام ودخول البنت على زوجها، ويدعى للدخول فتنقل إليه؛ لأنها عند مالك و(ش) وابن حنبل تتبع النفقة، وعند (ح): تتبع الولاية التامة، فلا يزكي – عنده - عن والده الفقير، ولا عن ولده الكبير الزمن، وإن لزمه نفقتهما؛ لعدم الولاية الكاملة. لنا: قوله عليه السلام فيما يروى في الحديث المتقدم: (... عمن تمونون من المسلمين) بالقياس على النفقة، ووصف الولاية باطل طردا وعكسا؛ لأن المجنون والفاسق لا ولاية لهما مع وجوب الزكاة في مالهما، والحاكم له الولاية ولا زكاة عليه، قال: والولد الصغير الموسر لا تجب على أبيه فطرته عند مالك والأئمة، وخالف محمد بن الحسن تعلقا بالولاية، وأما الزوجة: فقال أشهب: إذا دعي إلى البناء فلم يجد ما ينفق بقيت على الأب لبقاء الحاجة، وإذا أعسر الزوج سقطت عنه النفقة والفطرة، فإن أيسر بالنفقة فقط لم تلزمه الفطرة كفطرته، ولا يلزمها؛ لأنها لا تلزمها النفقة، قال أبو طاهر: إذا لم يدع الزوج للدخول، وسكت عنه، فهل تجب عليه الفطرة لأن العقد تمكين أم لا؟ قولان مبنيان على العوائد. السادس: في (الكتاب): يزكي عن خادم واحدة من خدم زوجته التي لا بد لها منها للزوم نفقتها وإن كانت الزوجة ملية، قال سند: إذا كانت يحتاج مثلها إلى خادم خير بين أربعة أشياء: شراء خادم، أو إكرائها، أو ينفق على خادمها إذا طلبت ذلك، أو يخدمها بنفسه، وهو مختلف فيه عندنا وعند الشافعية لعدم استيفائها المنافع منه، فتجب عليه الفطرة في الأول دون الثاني، وفي الثالث، خلافا لـ (ح) محتجا بعدم الولاية، فإن كانت ذات شرف أخدمها أكثر من خادم، قاله: ابن القاسم، ويزكي عن ذلك، قال أصبع: إن كانت بنت ملك أخدمها إلى الخمسة، فلو كان لها خادم واتفقا على الإنفاق عليها ودعا إلى البناء، قال عبد الملك: عليه فطرتها دون الخادم؛ لأن نفقتها بالتمكين، ونفقة الخادم بخدمة البيت، ولهذا لو دخل وحاضت الزوجة بقيت نفقتها، ولو مرضت الخادم سقطت نفقتها، وهو مخالف لقول ابن القاسم في (الكتاب): فيمن تزوج على خادم بعينها والزوجة لا بد لها من خادم، فمضى يوم الفطر والخادم عندها، ولم يحولوا بين الزوج وبينها، ثم طلقها الزوج، فزكاة الخادم على الزوج؛ لأن الإخدام بعض النفقة فيجب تبعا. مع أن أشهب قال ها هنا: لولا الاستحسان لكان عليه زكاة بعضها إن طلق يوم الفطر، وهو القياس. السابع: في (الكتاب): إذا أمسك عبيد ولده الصغار لخدمتهم، ولا مال للولد سواهم أدى الفطرة عنهم مع النفقة من مال الولد وهو العبيد، لأنه غني بهم، وإذا كان للعبيد خراج أنفق منه وزكى، وإن لم يكن لهم خراج وامتنع الأب من النفقة أجبرهم السلطان على بيعهم للإنفاق، قال سند: إن كان الولد يحتاج للعبد لصغره أو زمانته: فنفقته وفطرته على الأب، وهو الذي رجع إليه ابن القاسم وأشهب، وقاله الشافعية: ومذهب (الكتاب): أظهر، فإنه لا يجب على الأب إخدام خادم معين، بل يبيع العبد وبخدمه منه. الثامن في (الكتاب): يؤديها الوصي عن اليتامى وعن عبيدهم من أموالهم، وقاله الأئمة، وإن كان (ح) خالف في عبد الصبي وماشيته، وسلم الفطرة والزرع، وقد تقدم في أول (الكتاب): أن الخطاب بها من باب خطاب الوضع لا من باب خطاب التكليف كأروش الجنايات، وقيم المتلفات، قال: ومن في حجره يتيم بغير إيصاء وله – عنده – مال، رفع أمره إلى الإمام، فإن لم يفعل فهو مصدق إذا بلغ الصبي في نفقة مثله وفطرته، كانوا عنده أو عند أمهم فينفذ تصرفه، كما لو أنفق على أولاد الغائب، أو أدى من دين إنسان. والبحث عن جنسه، وقدره، وصفته، ومصرفه فهذه أربعة أبحاث: البحث الأول: في جنسه، وهو المقتاة، وفي (الكتاب): هو القمح، والشعير، والسلت، والذرة، والدخن، والأرز، والتمر، والزبيب، والأقط، قال سند في (المختصر): يؤديها من كل ما تجب فيه الزكاة إن كان قوته، فعلى هذا يؤديها من القطنية، وزاد ابن حبيب على ما في (المدونة): العلس، فجعلها عشرة، وقال أشهب: لا يجزئ إلا الأربعة التي في الحديث: القمح، والشعير، والتمر، والأقط، وقال ابن حنبل: بالخمسة التي في رواية أبي سعيد، وهو ما رواه مالك عنه. كما يخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب، وهو قول أشهب؛ لأن القمح عنده من جنس الشعير. لنا: أن تعديد هذه الأمور لا يمنع من قياس غيرها عليها، إما لأن هذا من مفهوم اللقب الذي هو أضعف المفهومات العشرة، فيقدم القياس عليه، أو القياس على باب الربا، ويؤكد القياس قوله عليه السلام: ( أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) فأشار إلى أن المقصود إنما هو غناهم عن الطلب، وهم إنما يطلبون القوت، فوجب أن يكون هو المعتبر، ومنع (ح) إخراج الأقط إلا بالقيمة، وأن يكون أصلا قياسا على القث الذي هو حب الغاسول، وجوابه: أنه وارد في النص فيكون القياس قبالة النص فاسدا، سلمنا صحته، لكن الفرق: أن الأقط يقتات مع الإدخار كالتمر بخلاف القث. فرع: قال: فإن لم يعمل الأقط وكان القوت اللبن: فظاهر المذهب المنع من إخراج اللبن، وينظر إلى قوت أقرب المواضع إليهم، وجوزه الشافعية مع وجود الأقط، والفرق لنا: الإدخار. (فائدة) في (التنبيهات): الأقط بفتح الهمزة وكسر القاف، جبن اللبن المخرج زبده، ويقال أيضا: بكسرها وسكون القاف. وفي (الكتاب): لا يجزئ في شيء من القطاني وإن أخرجت عن غيرها بالقيمة، ولا يجزئ دقيق ولا سويق، وكره التين، ومنعه الحنفي، قال ابن القاسم: وأرى أن يجزئه خلافا لـ (ش)، وابن حنبل، قال ابن القاسم: وما لا يجزيء كالقطنية ونحوها إذا كان قوت قوم أجزأهم، وفي (الجواهر): قال ابن حبيب: إذا أخرج الدقيق ومعه ريعه أجزأه ورأى القاضي أبو بكر: أن يخرج من عيش كل أمة: لبنا أو لحما أو غيرها؛ لأن الأصل تسوية الفقراء والأغنياء فيما في أيدي الأغنياء، وقال (ح) وابن حنبل: يخرج الدقيق والسويق وهما أصلان؛ لأنه قد روي في بعض الطرق: الدقيق، وقياسا عن الحب، جوابهما: أن الرواية غير ثابتة، وأن منافع الحب الصلق والبذر وغيرها، بخلاف الدقيق، وقد سلمنا أن الخبر لا يجزئ، قال سند: وإذا أجزنا الدقيق فأجاز ابن حبيب الخبز، وفيه نظر، ويتخرج الخلاف فيه على الخلاف في عد الدقيق والخبز جنسين أو جنسا في البيع، والمستحب غربلة الحب، ولا يجب إلا أن يكون غلة، قاله مالك، ولا يجزي المسوس الفارغ بخلاف القديم المتغير الطعم عندنا وعند الشافعية. البحث الثاني: في صفته، وفي (الكتاب): يخرج أهل كل بلد من غالب عيشهم ذلك الوقت، وفي (الجواهر): قال أشهب: من عيشه هو وعيش عياله إذا لم يشح على نفسه وعليهم، لنا: قوله عليه السلام: ( أغنوهم عن سؤال هذا اليوم) والمطلوب لهم غالب عيش البلد، وقياسا على الغنم المأخوذ في الإبل، قال سند: إن عدل عن غالب عيش البلد أو عيشه إلى ما هو أعلى أجزأ، وإلى الأدنى لا يجزئ عند مالك، خلافا لـ (ش) و(ح) وقال ابن حبيب: إن كان يأكل من أفضل القمح والشعير والسلت فأخرج الأدنى أجزأ، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يخرج التمر والشعير ويأكل البر، واحتجوا بأن الخبر ورد بصيغة التخيير فيخير، جوابهم: أن (أو) فيه ليست للتخيير، بل للتنويع، ومعناه: إن كان غالب العيش كذا فأخرجوه، أو كذا فأخرجوه، فهو تنويع للحال، كما قال فيه: حرا أو عبدا، ذكرا أو أنثى، ويؤكد ذلك قوله عليه السلام: ( أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم). البحث الثالث: في قدره، وفي (الجواهر): صاع، وقاله (ش) وابن حنبل. وقيل: يجزئه نصف صاع من البر خاصة، وقاله (ح)، وقيل لمالك: يؤدي بالمد الأكبر؟ قال: لا، بل بمده عليه السلام، فإن أراد خيرا فعلى حده، سد الذريعة تغيير المقادير الشرعية، لنا: ظاهر الحديث، ونصف الصاع من البر مروي ولم يصح، بل قال به معاوية وجماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وبتقدير الصحة فما ذكرناه أحوط. وأما قدر الصاع ونسبته إلى رطل مصر: فقد تقدم في الكلام على الوسق. البحث الرابع: في مصرفه وفي (الكتاب): يصرفه كل قوم في أمكنتهم من حضر أو بدو، ولا يدفع للإمام إلا أن يعدل فيها فلا ينبغي العدول بها عنه، فإن كان موضعهم أغنياء نقلت إلى أقرب المواضع، وتعطى زكوات لمسكين واحد، ولا تعطى لذمي ولا عبد، وروى مالك أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده بيوم أو ثلاث؛ لأن الإمام أعرف بأهل الحاجة؛ لأنهم يقصدونه، قال سند: قال عبد الملك: إذا كان عدلا وجب دفعها إليه، وليس للإمام أن يطلبها كما يطلب غيرها، وقال (ش): تفريق صاحبها أفضل، ويقسم كل صاع على ثلاثة من كل صنف من الأصناف الثمانية المذكورة في الآية، وروى مطرف عن مالك: استحباب إعطاء كل زكاة لكل مسكين، تشبيها بالكفارات، وقال (ح): تعطى للذمي، بخلاف الزكوات. قال مالك: ولا يعطى منها من يليها ولا من يحرسها، قال: ويتخرج فيه خلاف على الخلاف في زكاة المال، وفي (الكتاب): إن أخرجها عند محلها فضاعت أو تبدلت: لم يضمن، ولو أخرجها لعذر من أدائها وكان قد فرط فيها فضاعت بغير تفريط ضمنها، والفرق: أنه إذا فرط انتقلت إلى الذمة، وكل ما في الذمة من الحقوق لا تبرأ منه إلا بإيصاله لمستحقه، وإذا لم يفرط كانت في المال وإفراده، كالقسمة مع الشريك، فيتعين نصيب الفقراء فلا يضمن، ووافقنا (ش) ولم يضمنه (ح) مطلقا، وحيث تعينت ثم ذهبت أو ذهب ماله أو لحقه دين ثم وجدها، قال سند: قال ابن المواز: ينفذها ولا شيء عليه لأهل الدين، كمن أعتق عبده ثم لحقه دين.
|